ـ مرة أخرى تكشف تفاهة السياسة تكوين السياسيين ومستوى القيم التي تحكم سلوكهم، ففي استقبالات عيد الاستقلال يكرّر الرئيس سعد الحريري بصورة ممجوجة هروبه من صف الرؤساء ليظهر على شاشات التلفزيون تفادياً لمصافحة السفير السوري في لبنان.
ـ يعرف الحريري أنه لو كان الخيار للسفير السوري أن يتفادى زيارة بعبدا ليتفادى مصافحته لفعلها لكنه سفير دولة تعرف معنى القيم والأصول وقواعد العمل السياسي والدبلوماسي، وتتحمّل تبعات خياراتها، وتعرف معنى انّ تكون لها سفارة في واشنطن مثلاً وفي الرياض في عزّ ظروف الخلاف مع العاصمتين، وأن يشارك سفيرها فيهما رغم الخلاف في مناسباتهما الوطنية، ويؤدّي ما تمليه عليه مسؤولياته وواجباته وأصول العمل الدبلوماسي.
ـ السفير السوري شخص مثقف وصاحب قناعات سياسية ولا يتصرف بخلفيات شخصية، فلو كان الأمر يقتضي أن يلتقي بالحريري في موعد رسمي كرئيس حكومة في الدولة التي يمثل السفير دولته سورية لديها لفعل بكلّ أدب ولياقة، وهو يذهب إلى بعبدا ويعرف احتمال أن يمدّ الحريري يده لمصافحته واضطراره لتحمّل مشاعر المرارة في هذه المصافحة أو احتمال أن يتهرّب الحريري والاضطرار لتحمّل سخافة المشهد المفتعل.
ـ ليس لدى الحريري الذي يترأس حكومة لبنان أن يتصرف بموقعه الرسمي بحسابات شخصية ضيّقة لإيصال رسائل صغيرة لبعض الداخل وبعض الخارج.
ـ في السياسة يعرف الحريري أنّ روسيا وإيران وسورية في مركب واحد وهو عندما يصافح سفير إحدى هذه الدول كما عندما يصافحهم جميعاً بالمعنى السياسي وقد فعل لكنه بما لا يليق بمسؤوليته في الدولة اللبنانية يتصرف بصفته الدستورية لحسابات مخجلة لكلّ من يمنح معنى لفكرة الدولة ويؤمن بمعانيها لكنه ربما يفسّر درجة الهبوط التي بلغتها الحياة السياسية وحسابات المسؤولين الذين يتولون شؤون لبنان وبمعزل عمّن يحب سورية ومن لا يحبها يحق للبنانيين الذين يحبون لبنان أن يشعروا بالخجل.