
إندونيسيا – أخبار عالمية
كأم لطفلة تبلغ من العمر 18 شهرًا، تواجه ليلى لوبيس تحديات وفرحة الأمومة الجديدة.
ورغم أن طفلتها لم تنطق سوى بضع كلمات حتى الآن، إلا أن لوبيس بدأت بالفعل التفكير في كيفية تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على نموها في المستقبل.
وقالت لوبيس، التي تعمل في المجال الإنساني في منطقة مانديلينج ناتال بشمال سومطرة، لموقع الجزيرة: “لن أسمح لطفلتي باستخدام الهاتف المحمول طالما كان بإمكاني منعها.
ربما عندما تبلغ السادسة من عمرها، سأفكر في تعليمها في المنزل للروضة، مما قد يتطلب منها الوصول إلى الإنترنت”.
في مختلف أنحاء إندونيسيا، تخوض العديد من العائلات نقاشات مماثلة بينما تستعد الحكومة لفرض حد أدنى لسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد طرحت وزيرة الاتصالات والشؤون الرقمية، ميوتيا حفيظ، هذا الاقتراح الشهر الماضي كجزء من جهود تعزيز حماية الأطفال في البلاد التي يبلغ عدد سكانها حوالي 280 مليون نسمة.
عدم تحديد السن القانونية
لم تحدد الحكومة بعد السن القانونية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي،
لكنها شددت على الحاجة إلى تنظيم أقوى لحماية القُصّر من المخاطر “الجسدية، النفسية، أو الأخلاقية”.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن أصبحت أستراليا في نوفمبر الماضي أول دولة تحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن 16 عامًا،
حيث فرضت غرامات تصل إلى 32 مليون دولار على المنصات التي لا تلتزم بالقواعد.
وفي انتظار تطبيق القانون الجديد، أعلنت جاكرتا عن نيتها فرض إرشادات مؤقتة لحماية الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي أثناء إعداد التشريعات اللازمة.
وأعربت لوبيس عن تأييدها لمناقشة سبل حماية الأطفال على الإنترنت،
قائلة: “أعتقد أن الآثار السلبية لاستخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت تفوق الفوائد، خاصة للأطفال الصغار جدًا”.
التوتر بين الحكومة وشركات التكنولوجيا الكبرى
يمثل هذا القرار أحدث خطوة ضمن جهود الحكومة الإندونيسية لتنظيم عمل الشركات التقنية الكبرى. ففي أكتوبر الماضي، حظرت السلطات بيع هواتف iPhone 16 وGoogle Pixel لعدم امتثال الشركات لمتطلبات توفير 40% من مكونات الهواتف من مصادر محلية.
وفي 2022، هددت الحكومة بحظر جوجل وفيسبوك وتويتر وإنستجرام إذا لم تسجل لدى وزارة الاتصالات، إلا أن الشركات التزمت بذلك قبل الموعد النهائي، مما جنبها الحظر. كما حظرت السلطات الإندونيسية منصة نتفليكس بين عامي 2016 و2020 بسبب محتوى اعتبرته غير لائق، كما حظرت تيك توك مؤقتًا في 2018.
ويرى جاترا برييانديتا، المحلل في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، أن “فرض حدود عمرية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ينقل مسؤولية الامتثال إلى الشركات التقنية، مما يجعلها مسؤولة مباشرة عن تنفيذ القوانين”، مضيفًا أن هذه الفكرة نوقشت في إندونيسيا لسنوات، لكن الجهود الجادة بدأت تكتسب زخمًا مؤخرًا.
وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 139 مليون إندونيسي يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي،
ويصل عدد الأطفال دون سن 12 عامًا الذين يستخدمون تيك توك وإنستجرام وفيسبوك إلى نحو 50%،
وفقًا لجمعية مزودي خدمة الإنترنت في إندونيسيا. ويُعد الجيل زد (الأعمار بين 12 و27 عامًا) الأكثر نشاطًا على الإنترنت بنسبة 87%،
وذلك مع تفضيل كبير لمنصتي تيك توك وإنستجرام.
الخصوصية والمخاوف الأمنية
أثارت خطط الحكومة قلق البعض من ناحية الخصوصية وسلامة البيانات الشخصية. ووفقًا لبرييانديتا،
فإن “فرض الحد الأدنى للسن يتطلب إثبات هوية المستخدمين عبر وثائق مثل رخصة القيادة أو الهوية الوطنية،
مما يشكل مخاطر كبيرة على الخصوصية، خاصة في المنصات التي تعزز إخفاء الهوية مثل ريديت”.
واقترح برييانديتا حلاً بديلاً يتمثل في تخزين الحكومة لبيانات المستخدمين،
بينما تقوم المنصات فقط بالتحقق من الهويات دون الاحتفاظ بالمعلومات الشخصية،
لكنه أقر بأن أنظمة الهوية الرقمية قد تكون عرضة للاختراق وإساءة الاستخدام.
هل يمكن تقييد وسائل التواصل الاجتماعي؟
في المقابل، يتساءل البعض عن جدوى تدخل الحكومة في منع القُصّر من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول عدي سارونو، وهو عامل اجتماعي يدير برنامجًا لمحو الأمية للأطفال في مقاطعة لامبونج، إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي له جوانب إيجابية وسلبية.
وأوضح أن “من بين الإيجابيات تنمية الإبداع ومهارات التواصل لدى الأطفال، لكن هناك سلبيات مثل قلة التركيز، القلق المفرط، تدني الثقة بالنفس، اضطرابات النوم، والتنمر”.
ويرى سارونو أن القضاء على وسائل التواصل الاجتماعي سيكون صعبًا حيث أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من الحياة.
وقال: “التقدم التكنولوجي لا يمكن مقاومته، لكنه يمكن أن يُستخدم بحكمة.
يجب تنظيم وصول الأطفال إلى وسائل التواصل الاجتماعي وضبط أوقات استخدامها، مع توفير آليات لمراقبة نشاطهم عليها”.