
استراتيجية أستراليا – استراليا
تواجه أستراليا تحديات غير مسبوقة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة
حيث لم يعد بإمكانها الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة كحليف استراتيجي مستقر.
مع تبني واشنطن سياسات أحادية تهدد التحالفات التقليدية، تجد كانبيرا نفسها مضطرة إلى تبني استراتيجية وطنية مستقلة لتعزيز صمودها وقدرتها على التكيف مع نظام عالمي مضطرب.
الواقع الجديد: تغير ميزان القوى
أصبحت العلاقات الدولية قائمة على المصالح الذاتية وموازين القوى، ولم يعد من الحكمة الافتراض أن قرارات الولايات المتحدة ستتماشى دائمًا مع المصالح الأسترالية.
في أسوأ السيناريوهات، قد يؤدي هذا الواقع إلى صراع بين القوى الكبرى، حيث تصبح منطقة المحيطين الهندي والهادئ محورًا لهذا التنافس.
بالتزامن مع ذلك، تعمل الصين على تعزيز مكانتها كقوة عالمية مهيمنة، مستخدمة أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لتحقيق أهدافها.
وجاء تحرك وزير الخارجية الصيني وانغ يي عقب مؤتمر ميونيخ للأمن ليقدم عروض تعاون جديدة لأوروبا، ما يعكس رغبة بكين في توسيع نفوذها العالمي.
تعزيز الدفاع والاستقلالية العسكرية
لتجنب الوقوع في سياسات القوى الكبرى، يجب على أستراليا تقليل اعتمادها العسكري والاقتصادي على أي قوة واحدة. يمكن أن يكون النظام متعدد الأقطاب فرصة للدول المتوسطة
لكن ذلك يعتمد على قدرتها على التكيف بسرعة.
في هذا الإطار، بدأت أستراليا بالفعل تحديث استراتيجيتها الدفاعية، مركزة على زيادة الاكتفاء الذاتي ورفع مستوى التكامل العسكري.
إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى خطوات إضافية، مثل إعادة تقييم اتفاقية “أوكوس” إذا أظهرت الولايات المتحدة عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدفاعية.
إلى جانب ذلك، يجب أن تظل كل الخيارات مفتوحة لتعزيز القدرات الدفاعية
بما في ذلك الاستثمار في تقنيات عسكرية متقدمة وتطوير استراتيجيات ردع غير تقليدية تتماشى مع متطلبات الحرب الحديثة.
ما وراء القوة العسكرية: بناء مجتمع resilient
لا يمكن الاعتماد على القدرات الدفاعية وحدها لضمان الأمن الوطني، إذ إن الصمود الوطني يعتمد أيضًا على الاقتصاد والمجتمع.
لتحقيق ردع فعال، تحتاج أستراليا إلى بناء مخزون استراتيجي من الموارد الأساسية
مثل الوقود والمواد الحيوية، إلى جانب تعزيز القدرة على مواجهة التهديدات غير التقليدية مثل الهجمات السيبرانية أو الحصار البحري.
كما أن تماسك المجتمع الأسترالي عامل حاسم في التصدي للتحديات الخارجية.
أظهرت تجربة الولايات المتحدة أن الديمقراطيات المنقسمة تصبح أكثر عرضة للتلاعب الخارجي، وأستراليا ليست استثناءً.
من المتوقع أن تستمر الهجمات الإعلامية الخارجية، لا سيما من روسيا، التي أظهرت استعدادها للتدخل المباشر
وحتى تنفيذ أعمال تخريبية لتعزيز نفوذها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف متزايدة من أن تصبح الولايات المتحدة نفسها مصدرًا للمعلومات المضللة، ما قد يُعقّد تبادل المعلومات الاستخباراتية.
لذا، تحتاج أستراليا إلى تطوير استراتيجيات واضحة لمواجهة هذه التحديات، مع تعزيز دور المجتمع المدني في نشر الوعي القائم على الحقائق والمنطق.
توسيع الشراكات وبحث عن حلفاء جدد
تدرك أستراليا أن هناك دولًا أخرى تشاركها القلق بشأن تراجع موثوقية الولايات المتحدة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تعاونًا متزايدًا مع اليابان وكوريا الجنوبية، إلى جانب تعزيز العلاقات الأمنية مع دول الآسيان مثل سنغافورة والفلبين وفيتنام وإندونيسيا.
على الصعيد العالمي، تمتلك أستراليا فرصة لتعزيز شراكاتها مع أوروبا، التي أصبحت أكثر وعيًا بالتحديات الأمنية بعد سنوات من الصراع في أوكرانيا.
تعيين الجنرال السابق أنغوس كامبل سفيرًا لأستراليا لدى الاتحاد الأوروبي يعكس اتجاهاً استراتيجيًا لتعزيز العلاقات الأمنية والدفاعية مع أوروبا.
يمكن لأستراليا الاستفادة من تجارب دول مثل بولندا وفنلندا والسويد في مواجهة الضغوط الجيوسياسية، وفي الوقت نفسه، تقديم خبراتها الخاصة في التعامل مع القوى الكبرى.
في المقابل، تحتاج أوروبا إلى دعم لتقوية منظومتها الدفاعية، خاصة بعد ثلاث سنوات من الحرب الأوكرانية التي أضعفت القوات الروسية.
إذا أرادت أستراليا تقديم دعم لأوروبا، فعليها تقديم مساهمات ملموسة في هذا المجال، حتى في ظل احتمالية عقد اتفاقات تقاسم نفوذ بين واشنطن وموسكو دون مشاركة بروكسل أو كييف.
الاستنتاج: استراتيجية للصمود الوطني
في عالم لم يعد يتمتع بالاستقرار الذي ساد لعقود، لا يمكن لأستراليا أن تعتمد على افتراضات الماضي.
السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو تعزيز الصمود الوطني على المستويات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
في السابق، كانت أخطاء السياسة الخارجية الأسترالية تمر دون تداعيات كبيرة بفضل بيئة دولية متسامحة وشريك أمني موثوق.
أما اليوم، فقد أصبح الوضع مختلفًا تمامًا.
إذا أرادت أستراليا حماية مصالحها السيادية، فعليها تبني نهج استراتيجي متكامل يضمن قدرتها على التأقلم مع التحولات العالمية المتسارعة.