Home اقتصاد أستراليا ومواجهة الحمائية التجارية: درس من الفوضى الأمريكية

أستراليا ومواجهة الحمائية التجارية: درس من الفوضى الأمريكية

2
أستراليا ومواجهة الحمائية التجارية

أستراليا ومواجهة الحمائية التجارية – اقتصاد

أدت السياسات التجارية التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتمثلة في فرض رسوم جمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين وتجاهل القواعد التجارية القائمة، إلى زعزعة ثقة العالم في أمريكا وتهديد استقرار الاقتصاد العالمي.

وفي مواجهة هذا الاضطراب، لا ينبغي أن تركز أستراليا على مكاسب آنية لقطاعات محددة

بل عليها أن تؤكد التزامها بدعم المؤسسات والاتفاقيات التي تحمي التجارة الحرة.

ويمكنها تحقيق ذلك بإلغاء ما تبقى من تعريفاتها الجمركية، مما يرسل رسالة قوية للعالم عن أهمية التجارة الدولية القائمة على قواعد ثابتة ومستقرة.

من الصعب تذكر متى أقدمت دولة متقدمة على تبني سياسات اقتصادية مدمرة بنفس القدر الذي شهدناه منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

فحتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، الذي اعتُبر خطوة انتحارية اقتصادية، يبدو أقل ضررًا بالمقارنة.

تعريفات جمركية

يروج دعاة الحمائية لفكرة أن التعريفات الجمركية وسيلة لإحياء قطاع التصنيع أو أداة تفاوضية، لكن التفسير الأكثر دقة هو أن الرسوم الجمركية ليست سوى ضريبة خاصة على الموردين الأكثر كفاءة للشركات والمستهلكين.

وعند النظر إليها من هذا المنظور، تبدو فكرة “الانتقام التجاري” أقل منطقية مما يسوّقه الساسة الساعون لإبراز صورتهم كمدافعين عن مصالح بلادهم ضد المنافسين الأجانب.

إقدام ترامب على فرض تعريفات جمركية عقابية على الواردات المكسيكية والكندية أعاد للأذهان بدايات الكساد العظيم، الذي تفاقم جزئيًا بسبب دوامة من السياسات الحمائية التي انطلقت من واشنطن، في وقت كانت فيه الاقتصادات العالمية متفرقة إلى كتل اقتصادية إمبريالية.

وبعد أقل من يوم على دخول هذه التعريفات حيز التنفيذ، قام ترامب “بتجميدها مؤقتًا” لجيرانه، على الأرجح نتيجة الأدلة الواضحة على ضررها المحتمل للنمو الأمريكي والتضخم والأسواق المالية.

لكن هذا لا يدعو إلى الاطمئنان.

فرض الرسوم الجمركية

فسواء استمرت هذه التعريفات أم لا، فإن ترامب قد أوصل رسالة واضحة لشركاء الولايات المتحدة: البيت الأبيض لم يعد موثوقًا، وهو مستعد لتجاهل أي اتفاق تجاري أو معاهدة، وقد لا يفي حتى بالعقود التي تم إبرامها بحسن نية.

هذا التذبذب في السياسة التجارية لترامب يثير تساؤلات جوهرية:

كيف يمكن للشركات أن تستثمر بثقة في الولايات المتحدة بينما يمكن أن تقضي سياسات تجارية متقلبة على قيمة تلك الاستثمارات بين ليلة وضحاها؟

منذ الحرب العالمية الثانية، تمتعت الولايات المتحدة بامتياز اقتصادي فريد

حيث تمكنت من الاقتراض بسهولة من بقية العالم وتشغيل عجز تجاري مزمن دون الخوف من أزمة في ميزان المدفوعات، بفضل قدرتها على طباعة العملة الاحتياطية العالمية.

لكن هناك مؤشرات على أن الأسس المؤسسية للهيمنة الاقتصادية الأمريكية بدأت تتصدع.

فعلى عكس المتوقع، لم ترتفع قيمة الدولار بعد إعلان ترامب عن فرض الرسوم الجمركية

بل تراجعت، ما يعكس تراجع ثقة الأسواق العالمية في السياسة الاقتصادية الأمريكية.

قد لا يؤدي هذا إلى انهيار فوري لدور الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي

لكنه يشير إلى تحديات خطيرة ستواجهها البلاد حتى بعد انتهاء ولاية ترامب. فالسمعة والثقة تُبنى على مدى عقود، لكنها يمكن أن تتلاشى بسرعة.

ومن المفارقات أن تفكك الثقة السياسية عبر الأطلسي بسبب سياسات ترامب قد يؤدي إلى زيادة إصدار السندات السيادية المقومة باليورو، مع سعي أوروبا إلى تعزيز دفاعاتها ضد التهديدات الروسية دون الاعتماد على الحماية الأمنية الأمريكية.

ما الذي يجب أن تفعله أستراليا؟

إذا كانت الولايات المتحدة تهدم الأسس المؤسسية لاقتصادها، فإن على أستراليا أن تفعل العكس تمامًا.

وبالنسبة للدول التي لم تتورط في النزاعات التجارية الأمريكية

فإن هذه اللحظة تشكل فرصة لإثبات أن هناك بدائل موثوقة توفر استقرار الأسواق بعيدًا عن الاضطراب الأمريكي.

بالنسبة لاقتصاد متقدم مثل أستراليا، فإن عليها أن تثبت التزامها بالمؤسسات الاقتصادية المستقرة والعقلانية.

وكما يشير برايان كلارك من “المركز الأسترالي للتجارة والاستثمار الدولي”، فإن إحدى الطرق للقيام بذلك هي إلغاء جميع الرسوم الجمركية المتبقية.

صحيح أن أستراليا تفرض تعريفات جمركية منخفضة بالفعل

لكن حتى “التعريفات المزعجة” يمكن أن تؤثر على الأسعار وتضر بالمستهلكين من ذوي الدخل المنخفض.

كما أن التخلص منها يعني تقليص البيروقراطية الحكومية التي تديرها

مما يجعل الاقتصاد أكثر كفاءة، دون خسائر اقتصادية حقيقية.

الأهم من ذلك، أن إلغاء التعريفات سيكون بمثابة إعلان واضح بأن أستراليا تدعم التجارة الحرة

وهو مبدأ حافظت عليه الحكومات الأسترالية المتعاقبة منذ أن اتخذ غوف وايتلام قرارًا تاريخيًا في عام 1973 بخفض التعريفات بنسبة 25% بشكل أحادي وشامل.

علاوة على ذلك، يجب أن تنقل أستراليا هذا الموقف المناهض للحمائية إلى دبلوماسيتها الاقتصادية الدولية.

فاقتصادها مندمج في منطقة آسيا والمحيط الهادئ

وهي المنطقة التي تشهد بوضوح أن تحقيق الثراء والبقاء فيه يعتمد على التكامل الاقتصادي والتخصص القائم على الميزة النسبية والتجارة الحرة.

التحديات والفرص في ظل الحرب التجارية

بعض الحكومات في جنوب شرق آسيا ترى في النزاعات التجارية فرصة لجذب الاستثمارات الأجنبية

بينما لاحظ البعض في أستراليا أن هناك مكاسب محتملة للمصدرين الأستراليين نتيجة فرض الصين تعريفات انتقامية على المنتجات الزراعية الأمريكية.

لكن هذا التفكير قصير المدى.

فالمكاسب القطاعية المحدودة التي قد تنتج عن حرب تجارية لا تقارن بالأضرار بعيدة المدى

التي تلحق بالاقتصاد العالمي بسبب إضعاف نظام التجارة القائم على القواعد

وتآكل الثقة في استقرار الأسواق، والفوضى السياسية والاقتصادية التي تنبع من واشنطن.</p&gt;

تمتلك أستراليا والمنطقة أدوات للتعاون السياسي والاقتصادي—من اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) إلى الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) ومجموعة العشرين (G20)—لحماية التجارة العالمية من النزعة الحمائية المتزايدة.

نموذج للاستقرار والانفتاح

في عالم يسوده عدم اليقين، يمكن لأستراليا أن تثبت أنها نموذج للاستقرار والانفتاح.

من خلال إزالة التعريفات الجمركية المتبقية، وتعزيز التزامها بالتجارة الحرة، والمشاركة الفعالة في الدبلوماسية الاقتصادية

يمكن لأستراليا أن تقدم نفسها كبديل موثوق للدول التي انزلقت في دوامة الحمائية.

في نهاية المطاف، لا يتعلق الأمر فقط بالمكاسب الاقتصادية، بل بالموقف الذي تتخذه الدولة في وجه تيارات الحمائية والانعزال.

وأستراليا لديها فرصة لإثبات أن هناك طريقًا آخر، طريقًا أكثر استقرارًا وازدهارًا، في عالم مليء بالتقلبات السياسية والاقتصادية.

المصدر:

Load More Related Articles
Load More In اقتصاد
Comments are closed.

Check Also

ضربة موجعة: إصابة بالرباط الصليبي تُنهي موسم نجمة مانشستر سيتي فاولر وتُثير الشكوك حول مشاركتها في كأس آسيا

تلقى عشاق كرة القدم للسيدات صدمة مؤلمة بإعلان إصابة نجمة المنتخب الأسترالي ومانشستر سيتي ا…