لم يكد السوريون يستيقظون من صدمة بيان مدير المدينة الجامعية بجامعة حلب بضرورة امتناع الطلاب في المدينة عن (الطعام و الشراب و التدخين في الحدائق، و عدم القيام بخلوات غير مقبولة)، حتى فاجأ رئيس جامعة البعث بحمص السوريين أ يحيى زيدوبتوقيع اتفاقية مع مديرية الأوقاف في حمص تتضمن (تبادل الوثائق، و المعلومات، و إقامة المؤتمرات، و الندوات، و ورشات العمل).
و يبدو أن تسونامي الأسلمة مستمر. ففي محافظة طرطوس صدرت توجيهات شفهية في بعض مديريات المحافظة تطلب من العاملين فيها الامتناع عن أي مظاهر للطعام أو الشراب في المديرية، حتى أن المدير أقفل البوفيه الخاص به خلال شهر رمضان.
يخطئ من يعتقد أن هذه الحوادث غير المترابطة مكانياً ليست مترابطة منهجياً مهما اجتهد القائمون عليها في تسويغها و شرحها لتبريرها.
إن القراءة الموضوعية لهذه الحوادث يمكن أن تظهر الغايات و النتائج المترتبة عليها.
فالدول التي فشلت في إسقاط الدولة السورية، سواء عبر التدخل المباشر، أو عبر قطعان الارهاب، و بعد أن ضخت مئات المليارات لهذه الغاية، لن تتوقف عن هدفها في إسقاط الدولة السورية. و لما تأكدوا أن الإسقاط المباشر للدولة غير ممكن فقد قرروا أن يلجأوا إلى الخطة البديلة التي تقوم على إسقاط الدولة السورية من الداخل. و هذا الأمر لن يتم سوى بأدوات محلية، و هنا نعود مرة أخرى إلى استخدام الفكر الديني.
فالفكر الديني هو أيديولوجية تعمل على خلق الإنسان المؤمن بعقيدة دينية لا ترتبط بأرض أو وطن، و إن ارتبطت بها فليس لها أية أسبقية على الانتماء للعقيدة. و بديهي أن الفكر الديني هو غير الدين كمنظومة فكرية و أخلاقية هي حق لكل الناس، و من واجب الدولة حماية هذا الحق، و تأمين ممارسة هذا الحق بكل حرية. إن الفكر الديني يخلق وعياً زائفاً بهوية مغلقة تقوم على إلغاء الآخر، هذه الهوية تجعل الانسان المتدين جاهزاً دائماً لتأييد أي تنظيم أو نشاط ديني، و بما يجعله لاحقاً عضواً في تنظيمات دينية متطرفة.
إن التسلل إلى مناهج التربية و التعليم، و السيطرة على الإعلام هي مداخل موضوعية للسيطرة على المجتمع لأسلمته، و القضاء على ما بقي فيه من مظاهر العلمانية و التفكير الحر.
إن جامعة البعث التي تقع خارج تصنيف أول 10000 جامعة في العالم كان عليها أن تسعى لعقد اتفاقيات مع مراكز الأبحاث العلمية، و الجامعات المتقدمة لتعويض تأخرها، و حجز مكان لها على خارطة البحث العلمي في العالم بدلاً من عقد اتفاق مع مديرية الأوقاف، فما الذي ستستفيده من مديرية الأوقاف؟
و إذا كان لا بد من اتفاقية من هذا النوع، فقد كان على الجامعة أن تتشدد في ضرورة أن تخصص الأوقاف جزء من عائداتها الوقفية لدعم البحث العلمي في الجامعة، و شراء تجهيزات لمخابر الجامعة و مشافيها لتحسين خدماتها، مع العلم بأنه منذ الاستقلال حتى الآن لم تقم أية جهة تابعة للأوقاف بالتبرع لصالح جامعة سورية أو مركز بحث علمي، في حدود ما نعلم على الاقل.
إن تمدد التيار الديني إلى مؤسسات التعليم العالي، و التربية ليس سوى خطوة لتكريس أسلمة المجتمع عبر برمجة عصبية لغوية فكرية تهدف إلى إنتاج الإنسان المتدين بدلاً من المواطن الإنسان الذي يتمتع بالعقل، و بملكة النقد.
و إن القوة الناعمة الفكر الديني هي أخطر من أي نوع من الأسلحة.. فليس كل كلام طيب له غايات طيبة.
و طريق جهنم معبد بالنوايا الحسنة
فلينتبه السوريون إلى ما يحصل، و ليعلموا انه لا يحق لأحد أن يبقى متفرجاً..
إن الظلام يتسع.. فماذا نحن فاعلون؟