
التوزيع الجغرافي لجاليات – استراليا
استكمالًا لسلسلة مقالاتنا التي سلطت الضوء على التركيبة العمرية وخصائص سوق العمل للمهاجرين القادمين من دول المحيط الهادئ إلى أستراليا
تستعرض هذه المدونة، بالاعتماد على بيانات التعداد الأسترالي لعام 2021، الخريطة الجغرافية لهذه الجاليات في مختلف أنحاء البلاد.
تكشف النتائج عن تمركز ملحوظ لهؤلاء المهاجرين في المراكز الحضرية الرئيسية، مع تباينات واضحة بين المنحدرين من دول المحيط الهادئ المختلفة.
والأهم من ذلك، تشير البيانات إلى اتجاههم نحو الاستقرار في مناطق ذات مؤشرات اقتصادية واجتماعية أقل إيجابية مقارنة ببقية السكان.
التمركز في قلب المدن الأسترالية الكبرى:
كما يوضح الشكل 1 بوضوح النمط الجغرافي لتوزع مهاجري دول المحيط الهادئ، مؤكدًا على تمركزهم القوي في المدن الرئيسية.
ففي كل من سيدني الكبرى وبريسبان الكبرى وملبورن الكبرى، يستقر أكثر من 70% من هؤلاء المهاجرين
مقارنة بـ 45% من الأفراد المولودين في أستراليا، و51% من المهاجرين الغربيين، و64% من المهاجرين من خارج الدول الغربية.
كما تبرز بريسبان الكبرى كمركز جذب رئيسي ثانٍ لمهاجري المحيط الهادئ
حيث تستضيف ما يقارب 20% منهم – وهو ما قد يُعزى إلى مناخها الدافئ وقربها النسبي من بلدانهم الأصلية.
وتمثل هذه النسبة ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بنظيراتها بين السكان المولودين في أستراليا (10%)
والمهاجرين الغربيين (11%)، والمهاجرين من خارج الدول الغربية (9%).
وعلى النقيض من ذلك، يفضل السكان الثلاثة الأخيرون الاستقرار في ملبورن أكثر من بريسبان، حيث تستضيف على التوالي 17% و20% و25% منهم.
استثناءات وأنماط إقليمية محددة:
كما توجد استثناءات لهذه الأنماط العامة، مدفوعة بترتيبات الاستيطان التاريخية وسياسات التأشيرات الحالية.
كما يتميز المهاجرون من فانواتو بتوزيع جغرافي أوسع
حيث يستقر حوالي 94% منهم خارج المدن الكبرى، خاصة في المناطق الزراعية والبستانية المنتشرة في أنحاء أستراليا.
كما يعود هذا بشكل كبير إلى مشاركة جزء كبير من سكانهم في برنامج عمالة المحيط الهادئ
الذي تطور لاحقًا ليصبح المسار طويل الأجل لبرنامج التنقل العمالي بين أستراليا والمحيط الهادئ).
في المقابل، يستقر نصف المهاجرين من تيمور الشرقية في ملبورن الكبرى، وهو نمط تشكل بفعل موجات استيطان اللاجئين المبكرة والطلب اللاحق على لم شمل الأسر.
بالإضافة إلى ذلك، يُظهر المهاجرون من بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان وكيريباتي وناورو تركيزات عالية في ولاية كوينزلاند
حيث تستضيف هذه الولاية على التوالي 71% و66% و58% و57% من هذه المجموعات.
وبينما يقيم غالبية الناورويين في بريسبان الكبرى (47%)، يتوزع سكان بابوا غينيا الجديدة
وجزر سليمان وكيريباتي بشكل متقارب بين بريسبان الكبرى والمناطق الإقليمية في كوينزلاند
حيث يقيم في المناطق الإقليمية على التوالي 36% و36% و31% منهم.
التكتل في المناطق ذات المؤشرات الاقتصادية المنخفضة:
داخل المدن الكبرى، يميل المهاجرون القادمون من دول المحيط الهادئ إلى التمركز في الضواحي ذات الدخل المنخفض
حيث تكون تكلفة السكن في المتناول.
كما يقدم الشكل 2 تفصيلاً لتوزيع هؤلاء المهاجرين عبر المناطق الفرعية في ثلاث مدن رئيسية: سيدني وبريسبان وملبورن.
ففي سيدني، يستقرون بشكل أساسي في المناطق الجنوبية الغربية والشمالية الغربية
حيث تكون أسعار العقارات أقل بكثير مقارنة بالمنطقة الشرقية.
وبالمثل، في ملبورن وبريسبان، يتركز مهاجرو المحيط الهادئ في مناطق السكن ذات الأسعار المعقولة
مثل ميكلهام ويوروك وهامبتون وكرانبورن ويست في ملبورن، وإيبسويتش ولوجان في بريسبان.
مؤشر الحرمان الاجتماعي والاقتصادي النسبي (IRSD):
هناك طريقة أخرى لتحليل تمركز مهاجري دول المحيط الهادئ وهي استخدام “مؤشر الحرمان الاجتماعي
والاقتصادي النسبي” (IRSD) الذي طوره مكتب الإحصاءات الأسترالي
والذي يعكس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأفراد المقيمين في منطقة معينة في عام 2021.
كما تتميز المناطق ذات القيم المنخفضة في هذا المؤشر بارتفاع نسبة الأسر ذات الدخل المحدود
وارتفاع عدد الأفراد غير الحاصلين على مؤهلات، وزيادة نسبة العاملين في مهن غير ماهرة، مما يجعلها مناطق “أكثر حرمانًا”.
يوضح الشكل 3 توزيع السكان عبر الشرائح الخمسية لمؤشر IRSD للسكان المولودين في أستراليا
بالإضافة إلى المهاجرين الغربيين ومهاجري دول المحيط الهادئ والمهاجرين من خارج الدول الغربية.
كما يتركز مهاجرو دول المحيط الهادئ بشكل ملحوظ في المناطق الأكثر حرمانًا
حيث يعيش 37% منهم في الشريحة الخمسية الأولى و22% في الشريحة الثانية.
كما تسجل ساموا أعلى نسبة في المناطق الأكثر حرمانًا (49%)، تليها فانواتو وتونغا (45% لكل منهما).
وعلى النقيض من ذلك، تسجل بابوا غينيا الجديدة (26%) وفيجي (31%) أدنى النسب بين مجموعات دول المحيط الهادئ التي تقيم في هذه المناطق.
وللمقارنة، يقل احتمال إقامة المهاجرين الغربيين في المناطق المحرومة
حيث يعيش 15% فقط منهم في الشريحة الخمسية الأولى
بينما يتمتع السكان المولودون في أستراليا (18% في الشريحة الخمسية الأولى) والمهاجرون من خارج الدول الغربية (23% في الشريحة الخمسية الأولى) بتوزيع أكثر توازنًا عبر الشرائح الخمسية.
تتوافق هذه النتائج مع تحليلنا السابق لنتائج سوق العمل لمهاجري دول المحيط الهادئ
حيث تبين أنهم يحققون عمومًا دخولًا أقل من الأفراد المولودين في أستراليا والمهاجرين الغربيين.
ويضيف هذا التحليل سياقًا جغرافيًا هامًا: فبينما يميل مهاجرو دول المحيط الهادئ إلى الاستقرار في المد
ن الكبرى والعيش ضمن تجمعات متماسكة إلا أنهم أكثر عرضة
للتركز في مناطق تعاني من حرمان اجتماعي واقتصادي مقارنة بعامة السكان.