تجاوز الخلافات حول الطاقة – استراليا
على الرغم من الدعم الشعبي الواسع للطاقة المتجددة في أستراليا، تواجه مشاريع البنية التحتية اللازمة لتطويرها مقاومة مجتمعية كبيرة في المناطق النائية. يتطلب تجاوز هذه الخلافات تبني طرق أفضل للتعامل مع المجتمعات المتأثرة وتمكينها.
شهدت أستراليا مؤخرًا أمثلة عديدة على هذا التحدي.
ففي غرب ولاية فيكتوريا، هدد مزارعون بإغلاق مزارعهم لمنع إنشاء خط ربط طاقة رئيسي، بينما تظاهر الآلاف في وولونغونغ احتجاجًا على مزرعة رياح بحرية مقترحة.
هذا المشهد يتكرر في المناطق النائية، حيث يتصاعد الرفض المجتمعي لمشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق والبنية التحتية المصاحبة لها، مما يؤدي أحيانًا إلى انقسام داخل المجتمعات نفسها.
يكمن جوهر المشكلة في شعور المجتمعات النائية بأنها تتحمل عبء التحول نحو الطاقة النظيفة بينما تستفيد المناطق الحضرية بشكل أساسي من هذا التحول.
على الرغم من هذه الاحتجاجات، تشير استطلاعات الرأي إلى دعم قوي للانتقال إلى الطاقة المتجددة على مستوى البلاد.
فقد أظهرت دراسات أن حوالي ثلثي سكان المناطق النائية يؤيدون هدف الحكومة الفيدرالية بتحقيق نسبة 82% من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، مع دعم أعلى قليلاً في المدن.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية تساهم في زيادة التوترات المجتمعية حول مشاريع الطاقة المتجددة:
- الوتيرة السريعة لنشر البنية التحتية: يتم تطوير مشاريع الطاقة المتجددة واسعة النطاق بوتيرة غير مسبوقة.
- تطوير المشاريع في مناطق جديدة ونائية: غالبًا ما تقام هذه المشاريع في مناطق ريفية ونائية، مما يثير صراعات حول استخدام الأراضي والقضايا البيئية.
- ضعف المشاركة والتواصل المجتمعي: يُنظر إلى عملية التشاور والتواصل في كثير من الأحيان على أنها شكلية وغير فعالة، مما يخلق شعورًا بالتهميش لدى المجتمعات المتأثرة.
يُعد معالجة العامل الثالث، أي تمكين المجتمعات من المشاركة والاستفادة من مشاريع الطاقة المتجددة، أمرًا بالغ الأهمية لتجنب المزيد من ردود الفعل السلبية.
جذور التوتر:
تعتبر أستراليا رائدة عالميًا في مجال الطاقة الشمسية على الأسطح
لكن الصراعات الحالية تذكرنا بأن الدعم العام للطاقة المتجددة لا يترجم دائمًا إلى قبول على المستوى المحلي.
لقد أدى عقدا “حروب المناخ” إلى إهمال التخطيط لإيقاف محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وبناء البنية التحتية الجديدة للطاقة المتجددة بشكل منظم.
ومع تزايد الطلب على الكهرباء، ستزداد هذه التحديات.
ويتوقع مشغل سوق الطاقة الأسترالي نمو قدرة نظام الطاقة بشكل كبير بحلول عام 2050.
إن النطاق والوتيرة غير المسبوقين لتطوير الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى الطبيعة اللامركزية لهذه الطاقة، يعني أن البنية التحتية للطاقة تنتشر في مواقع جديدة.
على الرغم من أن أستراليا تمتلك أراضٍ وفيرة تجعلها مؤهلة لتكون رائدة في مجال الطاقة المتجددة
إلا أن معظم هذه الأراضي تقع في مناطق ريفية ونائية، حيث تعتبر الزراعة والرعي الاستخدامات الرئيسية للأراضي.
وهذا يثير مخاوف بشأن التنافس على استخدام الأراضي والوصول إليها
مما يضع مشاريع الطاقة المتجددة في مواجهة الأمن الغذائي والحفاظ على التنوع البيولوجي.
أشار المزارعون إلى العديد من المشاكل المتعلقة بنشر الطاقة المتجددة
بما في ذلك تأثير خطوط النقل على عملياتهم وقيم ممتلكاتهم، والمخاوف من أن الألواح الشمسية ستشغل أراضٍ منتجة.
ومع ذلك، هناك حلول مثل الزراعة الشمسية التي يمكن أن تسمح بتعايش الزراعة وإنتاج الطاقة الشمسية. كما أن البنية التحتية للطاقة المتجددة توفر مصادر دخل بديلة للمزارعين.
تثير المخاوف البيئية، مثل تأثير المشاريع على الحياة البرية والموائل، مقاومة مجتمعية أيضًا.
وقد تم سحب بعض المشاريع بسبب آثارها المحتملة على البيئة. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن التأثير البصري لهذه المشاريع على المناظر الطبيعية.
من الواضح أن هذه التغييرات تحمل تكاليف على المجتمعات المضيفة، ولهذا السبب وضعت الحكومات المحلية تدابير للتعويض والتخفيف من الآثار السلبية.
تشير الأبحاث إلى أن المشاريع تحظى بدعم اجتماعي أكبر عندما تشعر المجتمعات بأن العملية كانت عادلة وأن الفوائد المباشرة تعكس التكاليف.
فشل التواصل:
أظهر “استعراض المشاركة المجتمعية” في قطاع الطاقة المتجددة أن غالبية المستطلعة آراؤهم غير راضين عن طريقة تعامل مطوري المشاريع مع المجتمعات المحلية
مشيرًا إلى ممارسات سيئة أدت إلى تجارب سلبية وردود فعل مجتمعية.
هناك فجوة واضحة بين جهود المشاركة المجتمعية والأطر السياسية الصارمة التي تنظم تطوير الطاقة المتجددة.
قد يتم استشارة المجتمعات، لكن مدخلاتها غالبًا ما يتم تهميشها بسبب القيود السياسية، مما يؤدي إلى عدم الثقة والشعور بأن العملية غير عادلة أو مجرد إجراء شكلي.
علاوة على ذلك، يمكن استغلال المخاوف المجتمعية الحقيقية من قبل أصحاب المصالح والجماعات التي تنشر معلومات مضللة لتأجيج المقاومة.
كسر الجمود:
تتمثل الخطوة الأولى لتجاوز الصراعات الحالية في استعادة الثقة بين الحكومة والمجتمعات والصناعة.
يجب تعزيز الثقة في أهداف الحكومة المتعلقة بالطاقة المتجددة والضمانات التنظيمية التي تضعها لتوجيه ممارسات الصناعة.
يمكن لمشاريع الطاقة المتجددة التي تحقق نتائج أفضل للتنوع البيولوجي وتدمج استخدام الأراضي مع الزراعة
مثل الزراعة الشمسية، أن تساعد في تهدئة المخاوف المجتمعية وبناء الثقة وتحقيق أمن الطاقة.
إن تزويد المجتمعات بالموارد وتمكينها من التفاعل مع مشاريع الطاقة المتجددة والاستفادة منها أمر حيوي للتخفيف من ردود الفعل السلبية.
وقد أظهرت مدينة هاي في منطقة ريفرنا الغربية كيف يمكن للمجتمعات أن تكون سباقة في التعامل مع مشاريع الطاقة المتجددة من خلال وضع مبادئ توجيهية للمطورين بالتعاون مع منظمات غير ربحية.
كما تقوم مجتمعات الأمم الأولى بتطوير شراكات مبتكرة تضمن حصولها على طاقة موثوقة وبأسعار معقولة
وتعويضات عن استخدام الأراضي، والتزامات بتوفير فرص عمل ومشتريات لصالح مجتمعاتهم.
إن تبني مناهج تشمل المجتمعات كأصحاب مصلحة وتقدر معرفتهم المحلية يمكن أن يحقق نتائج أفضل.
وقد ساعدت بعض المنظمات في تطوير أدلة لبناء تنوع بيولوجي أفضل في المزارع الشمسية من خلال التعاون بين العلماء والمزارعين والمطورين.
المستقبل:
من غير المرجح أن يتقبل جميع أفراد المجتمع مشاريع الطاقة المتجددة في مناطقهم بسهولة.
ولكن يمكن بذل المزيد لضمان حصول المجتمعات على معلومات أفضل وإتاحة فرص حقيقية للمشاركة.
على سبيل المثال، هناك أدلة تحدد أفضل الممارسات في تطوير الطاقة المتجددة التي تراعي الأهداف البيئية والمناخية والمجتمعية والتنظيمية.
وقد اقترحت بعض المنظمات غير الربحية إنشاء مراكز طاقة محلية في جميع أنحاء أستراليا لتوفير معلومات موثوقة ومحايدة حول كل شيء يتعلق بالطاقة المتجددة
وتوفير منصة للمجتمعات لتقديم ملاحظاتها حول المشاريع واسعة النطاق.
يمكن لمثل هذا الدعم أن يساعد في تسهيل عملية التحول في قطاع الطاقة واستعادة الثقة الضرورية.
إن التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة لديه القدرة على خلق مجتمع وبيئة أكثر مساواة وازدهارًا
ولكن فقط إذا شاركت المجتمعات بشكل فعال في هذه العملية.
