Home آخر الأخبار مشكلة المقاتلين الأجانب في سوريا

مشكلة المقاتلين الأجانب في سوريا

0

يعتبر ملف المقاتلين الأجانب أحد الملفات المعقدة على المستويين الاجتماعي والسياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع، رغم تفاوت أسباب التحاقهم بجبهات القتال ضد النظام السابق، والتي تراوحت بين ما هو أيديولوجي ديني، أو سياسي، ورغبة في نصرة المظلومين، أو الانجذاب إلى “فكرة الجهاد” أو “المغامرة” أو “الخلاص الشخصي”.

وبعد الإطاحة بنظام الأسد، وخروج هؤلاء المقاتلين من إدلب، المدينة التي حوصر وجودهم بها بالإضافة إلى بعض الأرياف المحررة لسنوات سبقت التحرير، وانفتاح الخريطة السورية أمام تحركاتهم على مصراعيها، تفاوتت المواقف الشعبية والاجتماعية من وجودهم، بالتزامن مع تحول سياسي ضاغط في ملفهم نوعاً ما، وتجلى ذلك بتضمين في أولويات الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية جزئياً عن سوريا، رغم أن تلك العقوبات كانت منوطة بنظام قد سقط أصلاً، وأفرغ هذه العقوبات من مسوغات بقائها.

كفاءات عالية واختلافات عقائدية

ينقسم “المقاتلون الأجانب” كمكون عسكري رفع البندقية بوجه نظام الأسد، إلى عدة أطياف على المستوى العقائدي، فهناك مجموعات تبنت فكراً متشدداً وشكلت فرعاً لتنظيم “القاعدة” وحاربتها كل من “هيئة تحرير الشام” و”التحالف الدولي”، مثل “حراس الدين” (حلّ نفسه في بداية العام)، وهناك فصائل لم تتناغم مع “الهيئة” فانخرطت مع الشيشان، وهناك فصائل تماهت مع “الهيئة ومنحتها قرار السلم والحرب، ومنها كتيبة “الغرباء” الفرنسية، و”المقاتلون الألبان” و”الحزب الإسلامي التركستاني”.

الشيشان هم من الأكثر عدداً وخبرة وتنظيماً بين المقاتلين الأجانب، رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، ومن فصائلهم “جيش المهاجرين والأنصار” (أسسه صلاح الدين الشيشاني)، و”جند الشام”، بالإضافة إلى المقاتلين القادمين من آسيا الوسطى، كالأوزبك والطاجيك والتركمان والكازاخ، ومن فصائلهم “كتيبة التوحيد والجهاد” (أوزبك) و”الحزب الإسلامي التركستاني” (صينيون إيغور).

وهناك أيضاً “أجناد القوقاز”، وهم فصيل من مقاتلين شيشانيين وقوقازيين من داغستان والشيشان، وهي جماعة ركزت على قتال الروس ونظام الأسد من دون غرق في منزلق التكفير أو السياسات الداخلية للفصائل، ونشطت في وقت سابق في جبال الأكراد والتركمان بريف اللاذقية الشمالي على خطوط التماس مع قوات نظام الأسد وحليفه الروسي، ورفضت ممارسات تنظيم “داعش”، ومن مميزاتهم العسكرية قلة العدد والكفاءة العالية والانضباط الصارم والتسليح الجيد، والتركيز على قتال الروس كأولوية لهم.

نظرة المجتمع مرهونة بالزمن والجغرافيا

يمكن تقسيم النظرة الاجتماعية حيال المقاتلين الأجانب في سوريا وفق إطار زمني، فالسنوات الأولى من الثورة السورية شهدت قبولاً نسبياً بوجودهم في إدلب وريفي حماة وحلب (مناطق ظلت خارج سيطرة نظام الأسد حتى سقوطه)، لخبرتهم القتالية العالية جداً مقارنة بقوات الأسد، لكن بعد نحو خمس سنوات من الثورة، وتراجع وتيرة العمل العسكري، طرأت تغيرات على المزاج العام شابتها نظرة سلبية ارتبطت بتحكم بعضهم بالحياة المدنية، مع وجود بعض حوادث التشدد الديني، والخوف من استجلاب القصف الروسي أو الدولي بسبب وجودهم، إلى جانب حالة تصادم ثقافي مرتبطة بالعادات واللغة.

على مدار السنوات الماضية، حاول بعض المقاتلين الأجانب الاندماج بالمجتمعات المحلية، فمنهم من تزوجوا من مواطنات سوريات، وهناك من انخرط بمهن وشكّل علاقات صداقة ومعارف، وإن كانت الثيمة الطاغية هي التجمعات الخاصة وأسلوب الحياة المغلق، فمثلاً عاش مقاتلو “الإسلامي التركستاني” مع عائلاتهم في مناطق مغلقة، خصوصاً في جبل التركمان وجبل الزاوية، وقرى في جسر الشغور بريف إدلب الغربي، ونشطت محال تجارية يديرونها في بيع الخبز ومأكولات مرتبطة بهم، لكن شخصيات منهم بدأت تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي إثر سقوط النظام، وتنقلت بين المناطق السورية من دون غرض الاستقرار.

وفي مخيم معزول ومراقب، قرب حارم، استقرت كتيبة “الغرباء” وشكلت مجتمعاً منعزلاً ومنغلقاً، ويقودها عمر أومسن، والكثير من أفرادها غير متزوجين، وهناك من تزوجوا من سوريات أو أجنبيات.

المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب، أوليفييه كريستين، أشار في وقت سابق خلال مقابلة مع قناة “RTL”، إلى وجود 70 فرنسياً في جيب إدلب، تابعين للمجموعة التي يقودها أومسن، وهي مقربة من “القاعدة”. ويمكن أن تعبر إدارة مقاتل داغستاني لمطعم سوشي شمال غربي سوريا في 2023، عن محاولة اندماج في المجتمع السوري، بعد قتال لخمس سنوات ضد نظام الأسد.

وبعد سقوط الأسد، تنقسم الآراء حيال هؤلاء المقاتلين، فبعض المجتمعات المحافظة ترى فيهم “ثواراً أجانب” ساعدوا في المعركة ضد الأسد، وأسهموا في وضع نقطة النهاية على خط معاناة طويل خطه النظام السابق على امتداد 14 عاماً من حياة السوريين التي تراوحت بين تهجير وتدمير وقتل واعتقال وتعذيب ولجوء ونزوح وسلب ممتلكات.

وخلافاً لهذه الرؤية، فإن سوريين في مناطق أخرى يبدون حالة عدم ارتياح من تشدد بعض “المقاتلين الأجانب” ومحاولتهم فرض رؤى تحمل تطرفاً بنظر منتقديهم، كما أن فئات أخرى تنظر إلى المسألة من زاوية تهديد الاستقرار، ما لم يلق المقاتلون الأجانب سلاحهم، على اعتبار أن البلاد مرهقة بالحرب وترنو إلى مستقبل سياسي مدني.

مديونية أخلاقية وسياسية

لم تصدر أي دراسات تتناول وجود المقاتلين الأجانب في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لكن دراسة صدرت عام 2023، بعنوان “Foreign Fighters and Transitional Justice in Post-Conflict Syria” (المقاتلون الأجانب والعدالة الانتقالية في سوريا ما بعد الصراع)، شددت على ضرورة تطبيق العدالة والمحاسبة على الأفعال الفردية في سوريا، إذ لا وجود لحلول جماعية عامة، مع مطالبات بمحاكمة من ارتكب جرائم، أو ترحيل من بقي بلا مبرر واضح، بالإضافة إلى ميل للسماح بالاندماج لمن أثبت نواياه السليمة ووجوده الإنساني، من دون أن يتعارض ذلك مع رغبة المجتمع باستعادة الحكم في مجاله المحلي من دون تدخل المقاتلين الأجانب.

الدكتور عبد الرحمن الحاج، الباحث في الجماعات الجهادية، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أن موضوع المقاتلين الأجانب يرتبط بمسألتين، الأولى موقع بعضهم في قيادة الجيش، والآخر منحهم الجنسية السورية ليعيشوا كمواطنين سوريين، فالولايات المتحدة تعارض وجودهم في قيادات الجيش، لا في سوريا، فهذا ليس محل نقاش وهو شأن سيادي بطبيعة الحال، ولكن وجودهم في قيادة الجيش يثير تحفظات دول إقليمية أيضاً، ونقاشاً داخلياً في سوريا بطبيعة الحال.

ومن الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع وجود أجانب في الجيش، وبفضل خدماتهم الجليلة للشعب السوري والدولة السورية سيمنحون الجنسية السورية، ويصبحون مواطنين، هذا أمر يتطلب بعض الوقت، بالنظر لوجود مديونية أخلاقية وسياسية تجاه أولئك المقاتلين بسبب إسهامهم في إسقاط نظام الأسد، وفي الوقت نفسه هناك مطالب دولية لمنعهم من الوصول إلى مناصب قيادية.

ويرى الباحث أنه من حيث المبدأ سيصبح المقاتلون الأجانب مواطنين سوريين، ومن الناحية القانونية سيكون من حقهم تولي مناصب مختلفة في الدولة ضمن الإعلان الدستوري ولاحقاً ضمن الدستور الدائم، مع توقعات باستمرار الضغط خلال السنوات الأولى لإبعادهم عن المناصب العليا في قيادة الجيش، مع استبعاد إحداث تغييرات بشأن القيادات التي وليت مناصب رئيسية في الجيش السوري حالياً، لكن سيتم التعامل بإيجابية قدر الإمكان في الفترة المقبلة وبشكل خاص مع التعيينات الجديدة.

محاولة ضغط على الحكومة

كما أن موضوع الأجانب في الجيش الذين لا يتجاوز عددهم ألفي مقاتل بحسب التقديرات، لا يشكل مشكلة كبيرة في جيش تعداده يتجاوز 100 ألف، فالجيش مكلف بالدفاع عن البلاد ولا علاقة له بالمسائل الأمنية الداخلية ما لم يحصل تطور خطير يهدد الدولة، وفق الباحث.

وقد أثيرت قضية المقاتلين الأجانب بعد أحداث الساحل في الأسبوع الثاني من آذار الماضي، لتحقيق ضغط على الحكومة السورية رغم عدم وجود دلائل على دور لهم في الانتهاكات التي حصلت، خصوصاً أن التحقيقات الجارية ستبت بهذه المزاعم.

ولا يجد السوريون بنسبة كبيرة مشكلة في تجنيس المقاتلين الأجانب وعائلاتهم وحمايتهم، كجزء من رد الجميل والوفاء لدورهم في العمليات العسكرية ضد نظام الأسد البائد، وهذا لا يعني عدم وجود خلاف بين السوريين حول هذه النقطة، لكنه اتجاه عام، وفق الباحث. وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، أوضح في وقت سابق أن أعداد المقاتلين الأجانب الذين جرت ترقيتهم عسكرياً، قليلة، وقد قدموا تضحيات في سوريا وهم على درجة عالية من الوعي، مع التأكيد على أهمية التزامهم بالسياسة العامة للبلاد.

وفي 17 نيسان، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن ثمانية شروط أميركية قدمتها واشنطن للحكومة السورية كـ”خطوات لبناء الثقة”، للنظر في تخفيف العقوبات عن دمشق، وجاء فيها أن يثبت الرئيس أحمد الشرع قدرته على التخلص من المقاتلين الإسلاميين الأجانب وبقايا “القاعدة” من حكومته.

هذه الشروط تبعها بيومين تقرير نشره موقع “THE ECONOMIC TIMES”، وتحدث عن انتقال مقاتلين أجانب من أصول آسيوية، لعبوا دوراً في تغيير النظام بدمشق، إلى أفغانستان، ما أثار قلق نظام “طالبان” وجمهوريات آسيا الوسطى.

وبحسب التقرير فالمقاتلون القادمون من سوريا موجودون في ولايات هرات وبدخشان وبغلان، في أفغانستان، مع احتمال امتداد تأثيرهم إلى طاجيكستان وأوزبكستان في آسيا الوسطى.

Load More Related Articles
Load More In آخر الأخبار
Comments are closed.

Check Also

هجوم عالمي على أستراليا بعد إعدامها 700 كوالا مهددة بالانقراض

هجوم عالمي – حوادث وقضايا أقدمت السلطات الأسترالية على قتل حوالي 700 كوالا.نفذت العم…