
بقلم: عباس علي مراد
سدني
هذا هو الأسلوب المعمول به في حزب العمال وعلى أعضاء القبيلة (الحزب) القبول بنهج القبيلة
رئيس الوزراء انتوني البانيزي
انتهت الإنتخابات الفيدرالية الاسترالية إلى ما انتهت اليه، نصر انتخابي غير مسبوق للعمال منذ الحرب العالمية الثانية (93 مقعداً)، وهزيمة انتخابية هي الأولى من نوعها والاسوء لحزب الأحرار منذ تأسيسه عام 1949(43 مقعداً)، ونهاية الحياة السياسية لزعيم الحزب بيتر داتون الذي خسر مقعده الإنتخابي، وهذا ما حصل أيضا لزعيم حزب الخضر آدم باندت الذي خسر مقعده في مجلس النواب، بالإضافة الى نائبين آخرين ليحتفظ الحزب بمقعد واحد في مجلس النواب، بينما لم تتأثر كتلة الحزب في مجلس الشيوخ (11عضواً) والمستقلين 9 مقاعد والمقاعد الأربعة الباقية ذهبت للأحزاب الصغيرة.
في الوقت الذي يستمتع حزب العمال بالإنتصار، ويتجرع الائتلاف والخضر مرارة الهزيمة الكاسحة، لكن تداعيات الزلزال الانتخابي على الاحزاب الاربعة الرئيسية لم ينجو منها الرابحون والخاسرون،
فالرابحون بدأت مشاكلهم تطفو الى السطح، وكذلك الخاسرون الذين بدأوا لملمة جراح الهزيمة وانتخاب قيادات جديدة وإعادة التموضع السياسي.
حزب العمال، وقبل ان يمضي اسبوع على النصر التاريخي حتى كشرت عن انيابها الطبيعة القبلية لرؤوساء الاجنحة الحزبية ، وبدأت حرب تصفيات سياسية أطلقها نائب رئيس الوزراء ريتشارد مارلز الذي يتزعم جناح اليمين في فكتوريا، ورغبة منه في تعزيز حصته والتموضع لخلافة أنتوني البانيزي، فتخلص من النائب مارك دريفوس النائب العام السابق اليهودي الوحيد في الحكومة، ووصلت رصاصات اغتيالاته إلى نيو سوث ويلز والتخلص من أد هيوسك الوزير المسلم الوحيد في حكومة قبل الإنتخابات، لاحقاً تم ترقية آن علي لتصبح اول أمراة مسلمة عضواً في مجلس الوزراء الفيدرالي والتي تسلمت حقيبة التعددية الثقافية في الحكومة الجديدة.
هيوسك وصف ما قام به مالرز بأنه اغتيال سياسي وبدون قناع، من شخص كان من المفترض أن يتصرف كرجل دولة، لكنه فضل أن يتصرف بأنانية وكرئيس مجموعة حزبية ولأسباب شخصية مقدماً مصلحته على مصلحة الحزب والناخبين وأستراليا، وانتقد هيوسك رئيس الوزراء أنتوني البانيزي لعدم تدخله ووضع حد لجموح مالرز، خصوصا ان البانيزي خرج من الإنتخابات بتفويض غير مسبوق من الناخبين، لكن البانيزي رفض التدخل وبرر ذلك بان هذا هو الاسلوب المعمول به في حزب العمال، وعلى أعضاء القبيلة القبول بنهج القبيلة حيث تتوزع الأجنحة الحصص الوزارية.
البانيزي الذي يترأس جناح اليسار في الحزب والذي زاد عدد أعضاؤه ب9 نواب في الإنتخابات الاخيرة وحسب العرف الحزبي او القبلي كما اسماه البانيزي، سوف تزيد حصته الوزارية، لذلك لم يتدخل لانقاذ هيوسك (من اليمين) الذي تم التضحية به لصالح بقاء الوزراء طوني بورك وجيسن كلير وكريس بوين وجميعهم من جناح اليمين في نيو سوث ويلز لكنهم اقرب الى البانيزي.
من جهته البانيزي كما ريتشرد مالرز مارس نوعاً من الكيدية السياسية للتخلص من تركة غريمه السياسي بيل شورتن زعيم الحزب السابق، الذي ترك العمل السياسي فاعطى حقيبة الخدمات الإجتماعية لتانيا بليبرسك بدل البيئة حقييتها التي كانت تشغلها في الوزارة السابقة رغم انها من جناح اليسار.
مارك درايفوس المدعي العام السابق والذي اطيح به ينتمي لجناح اليمين في فكتوريا الذي يترأسه مالرز، لم يدلِ بأي تصريح عقب عزله وقد عومل درايفوس باستخفاف من قبل مالرز الذي لم يرد على مكالمته الهاتفية ليعود ويبلغه التخلي عنه لحساب حلفاء مالرز الخلص.
وزير الخزينة جيم شالمرز برر ما حصل بأننا بحاجة الى دماء جديدة لإعطاء دفع للعمل الحكومي، مع العلم ان هيوسك أصغر سناً منه ولديه خبرة وزارية وازنة، ولدى هيوسك رواية أخرى لتراجع حظوظه للبقاء في الحكومة بسبب صراحته وموقفه بشأن الرد الإسرائيلي على هجمات حماس في 7 أكتوبر(وصف ما تقوم به اسرائيل بالتطهير العرقي) ومناقشته الموضوع داخل مجلس الوزراء واضاف غاضبًا: “لا يمكنك الاحتفاء بالتنوع وتتوقع مني أن ابقى صامتًا في مقعدي” وهذا ما لم يرض وزيرة الخارجية بيني وونغ التيلا تريد بقاء هيوسك في الحكومة حسبما قال المحرر السياسي للهيرلد بيتر هارتشر في برنامج (انسايدرز) على قناة أي بي سي 11/5/2025.
تصرف البانيزي ولا مبالاته وعدم تدخله للحفاظ على هيوسك ودرايفوس لاقى انتقاداً قاسياً من رئيس الوزراء العمالي السابق بول كيتنغ، وكذلك فعل وزير الخارحية الاسبق كاريث ايفانز.
حزب الأحرار بعد الهزيمة القاسية يفتقر إلى القوة اللازمة للفوز في الإنتخابات القادمة هيكليًا، لجأ أخيراً إلى انتخاب سوزان لي كأول إمراة لرئاسة الحزب منذ تأسيسه عام 1949، ولكن مجلس الحزب لم يعطيها تفويضاً كبيراً ففازت بفارق بسيط على منافسها وزير الخزينة السابق في حكومة الظل المعارضة انغس تايلر (29 صوتاً ل لي مقابل 25 لتايلر) مما سيجعل مهمتها صعبة واقرب الى الفشل رغم انها وعدت بالعمل مع الذين انتخبوها والذين عارضوا انتخابها، وقد انتخب نائباً لها تد اوبراين الذي كان يشغل منصب وزير الطاقة في حكومة الظل السابقة التي كان يرأسها بيتر داتون.
لي المولودة في نيجيريا والبالغة من العمر 63 عاماً تنتمي الى جناح يمين الوسط في حزب الأحرار، كانت قد تولت مناصب وزارية في حكومات طوني ابوت ومالكوم تيرنبول وسكوت موريسن وشغلت منصب نائب زعيم المعارضة تحت رئاسة داتون وعدت بالعمل من اجل اعادة الحزب الى الساحة السياسية، ومقاربة مختلفة لاستراليا المعاصرة، واعادة النظر بالسياسات التي ادت الى خسارة الحزب الكاسحة سواء العلاقة مع النساء او الشباب وسياسة الحزب المتعلقة المتعلقة بالطاقة وزيادة اعضاء الحزب وغيرها …
فهل ستنجح لي حيث فشل داتون وتعود وتكسب ثقة الناخبين ام انها شتفشل حيث نجح داتون بتوحيد الحزب ؟؟
حزب الوطنيين شريك الأحرار الصغير في الائتلاف اعاد انتخاب ديفيد ليتل براود لرئاسة الحزب بعد ان تحد زعامته مات كانفان، يقضي القانون الداخلي للحزب بان يصبح منصب رئيس الحزب شاغراً بعد الإنتخابات العامة بعكس الاحزاب الاخرى.
لكن الحزب لم ينج من تداعيات الإنتخابات حيث اعلنت النائبة جاسينتا برايس الانشقاق عن الحزب والالتحاق بحزب الأحرار، بعد وعد من الأحرار بانتخابها نائبة لرئيس الحزب مع تايلر لتعود ووتخلى عن ترشحها بعد ان اظهرت الارقام ترجيح كفة سوزان لي، وقد وصف زملاءها في الحزب الوطني خطوتها بالخيانة لان الحزب سوف يخسر من حصته في حكومة الظل بسبب انشقاقها بعد ان فازت بمقعده كمرشحة عن الحزب الوطني.
حزب الخضر والذي لديه آلية خاصة في اختيار زعيم الحزب، اختار الخميس 15/5/2025 السينتورة لاريسا ووتر المولودة في كندا زعيمة للحزب، ومهريني فاروقي نائية لها، ولاريسا هي المراة الثانية
التي تتولى زعامة الحزب الذي شغلته سابقاً كريستين ميلين، وجاء اختيار ووتر بعد خسارة زعيم الحزب آدم بندت منصبه في مجلس النواب بسبب تبادل حزب العمال الاصوات التفضيلية مع حزب بولين هانسون امة واحدة اليميني المتطرف، والائتلاف من أجل الاطاحة بباندت الذي نال النسبة الاعلى من الاصوات الاولية وعزى باندت هذا التصرف لموقفه من حرب الابادة التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة.
إذن، اكتملت صورة المشهد السياسي بعد اختيار الاحزاب لقياداتها الجديدة وتشكيل حزب العمال لحكومته التي اقسمت اليمين الدستوري امام الحاكم العام سام موستين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الان، هل ستطول إقامة البانيزي في اللودج بعد اداءه في تشكيل الحكومة وترك الاجنحة او القبائل المتصارعة كما اسماها تنفذ اجندتها، وعدم تدخله في وقف الاغتيالات السياسية كما قال النائب والوزير السابق أد هيوسك؟
المعروف ان حزب العمال لديه سوابق في هذا الشأن عندما انلقب على زعيمه كيفن راد عام 0201 رغم انه حقق لهم فوزراً كبير في انتخابات عام 2007 بعد 11 عام امضاه العمال في المعارضة لينصب مكانه جوليا غيلارد.
نعم، كتب انتوني البانيزي التاريخ، وسجل له مكاناً في كتب التاريخ كما قال طوني بيري.
نعم، اطاح البانيزي بزعيمي خصومه السياسيين الأحرار بيتر داتون والخضر آدم باندت.
نعم ، حصل البانيزي على نتيجة مهمة للعمال من حيث عدد المقاعد، وليس من حيث عدد الأصوات (نال العمال ثلث الاصوات فقط ) كما قال نيك ماكيم، النائب من حزب الخضر والذي شعل منصب القائم بأعمال زعيم حزب الخُضر قبل انتخاب لاريسا ووتر.
أخيراً، ارتسمت الابتسامات على الوجوه امام الكاميرات عند اداء الوزراء اليمين الدستورية في امام الحاكم العام الثلاثاء 13/5/2025، لكن الجميع سيتذكر الدماء التي سالت في قاعة اجتماعات مجلس الحزب (الكوكس) بسبب حفنة من أصحاب النفوذ والمحسوبية التي يمارسونها في أجنحتهم وقبائلهم.
هنا يطرح السؤال نفسه، هل سنكون أمام فريق عمل حكومي متجانس ام جماعة من المتنافسين تطغى عليها الممارسة الفئوية الانقلابية، وهل سيقبل البانيزي في حال انقلب عليه زعماء الاجنحة بما ارتضاه للوزيرين درايفوس وهيوسك، ام سيتخلى عن الكياسة او اللطف الذي قال انه لا يعني الضعف والتي تغنى بها في مناظرته الأخيرة مع بيتر داتون على القناة السابعة اثناء الحملة الانتخابية؟؟
ان غداً لناظره لقريب وكيف سيكون رد الناخبين في حال لم تقم الحكومة بتنفيذ وعودها الانتخابية والعمل على تحسين الاوضاع المعيشية للمواطنين.